خصص الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الحاضرين في أشغال القمة الخامسة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي، المنعقدة اليوم السبت بالعاصمة الغامبية بانجول، حيزا كبيرا من فقراته للقضية الفلسطينية والوضع الإنساني في قطاع غزة؛ فقد وصف العاهل المغربي العدوان الغاشم على هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية والأوضاع الإنسانية الخطيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بـ”وصمة العار على جبين الإنسانية”.
وبدا لافتا من لغة الخطاب انزعاج المملكة المغربية من استمرار تدهور الوضع الإنساني في غزة، هذا الوضع الذي يفاقمه “ارتفاع وتيرة الاعتداءات الممنهجة من طرف المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، بإيعاز من مسؤولين حكوميين إسرائيليين”، بتعبير الملك، الذي شدد على أن الحديث عن مستقبل غزة، باعتباره جزءا من الأراضي الفلسطينية الموحدة، لا يمكن أن يكون دون الوقف الفوري لكل الاعتداءات ورفع كافة أشكال المعاناة عن الشعب الفلسطيني.
ولم يفت العاهل المغربي أن يحسم موقف المملكة من القضية الفلسطينية حينما طالب بـ”وضع حد لأي عمل استفزازي من شأنه تأجيج الصراع”، ووقف الإجراءات الإسرائيلية الأحادية التي تطال الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي وصفها بـ”غير الشرعية”، داعيا الدول المؤثرة في مسار تسوية هذا النزاع إلى “تحمل مسؤوليتها التاريخية، وإعمال العقل والمنطق، والعمل الجاد من أجل وضع حد لهذا الوضع الكارثي، وإخراج المنطقة من دوامة العنف، وسياسة الإقصاء وفرض الأمر الواقع، والعمل على تهيئة الظروف الملائمة لإعادة إطلاق عملية سلمية حقيقية، تفضي إلى حل الدولتين المتوافق عليه دوليا”.
حضور مغربي ورسائل إسرائيلية
في قراءته لمضامين هذا الخطاب، قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، إن “الخطاب الملكي في القمة الإسلامية بغامبيا يترجم العمل الرائد الذي تضطلع به الجهود الدبلوماسية المغربية وفق التوجيهات الملكية السامية التي مكنت من تموقع المغرب كقوة إقليمية فاعلة في محيطها الإقليمي والإسلامي واستعداده اللامشروط لاستثمار حضوره المتميز وشبكة علاقاتها في تعزيز فرص السلام والأمن في الشرق الأوسط”.
وسجل الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، في تصريح لهسبريس، أن “الحضور الدائم للمغرب في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، من خلال ترؤس جلالة الملك محمد السادس للجنة القدس التي تترجم حرص جلالته على حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية واليهودية في القدس الشريف والأراضي الفلسطينية، يعتبر حلقة وصل بين المساعي السياسية التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس والعمل الميداني الذي تقوم به وكالة بيت مال القدس الشريف، تحت الإشراف الشخصي والفعلي لجلالته”.
وشدد البراق شادي عبد السلام على أن “هذا الخطاب يعكس الالتزام الراسخ للمملكة المغربية بالقيم الإنسانية والتضامن الدولي، إذ يحدد بشكل دقيق موقف المغرب الداعم لكل الشعوب التواقة للعيش الكريم والأمن والاستقرار، حيث وجه جلالة الملك خطابا مباشرا واضحا قويا إلى مختلف الأطراف المتدخلة في هذه المأساة الإنسانية من أجل تحمل مسؤوليتها التاريخية والإسراع بالتوصل لحل نهائي يبتدئ بوقف فوري للعدوان الغاشم على قطاع غزة ووقف الاعتداءات العسكرية وحماية المدنيين من الاستهدافات المتتالية وفقا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين”.
وخلص الخبير الدولي ذاته إلى أن “خطاب جلالة الملك هو رسالة مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية لتحمل مسؤوليتها أمام الجميع من أجل وقف الاعتداءات الممنهجة من طرف المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية تحت أنظار مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، وهو في الوقت نفسه تأكيد على الالتزام الكامل للمملكة المغربية بالعمل على حماية المقدسات الدينية في الضفة لغربية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف”.
وقف مستدام وتصرفات أحادية
قال سعيد بركنان، محلل سياسي، إن “موقف المملكة المغربية كان دائما رافضا للعدوان الإسرائيلي على غزة وكذا الاعتداءات التي تطال المسجد الأقصى والفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة”، مسجلا أن “الموقف المغربي بشأن الوضع الحالي في الشرق الأوسط كان واضحا منذ السابع من أكتوبر، وهو وقف الحرب والدفع باتجاه التسوية السلمية لهذا الصراع على أساس حل الدولتين”.
وأضاف بركنان، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الجديد في هذا الخطاب الملكي هو توجه صاحب الجلالة، بصفته عاهلا للبلاد ورئيسا للجنة القدس، إلى المسؤولين والحكومة في إسرائيل برسائل واضحة ولا تقبل التأويل، مفادها أن تل أبيب يجب أن تفهم أن الوضع الحالي لا يمكنه معالجته باستمرار الحرب؛ بل إن الأمر يتطلب وقفا فوريا لهذه الحرب وبشكل مستدام وليس بشكل مؤقت، وأن التوصل إلى حل إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي رهين بوقف الحرب وبجدية الحكومة الإسرائيلية في ذلك”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “الرسائل الملكية واضحة في هذا الإطار، باعتبار أن الوقف الفوري لإطلاق النار والقطع مع الحلول العسكرية يفتح أولا المجال أمام إدخال المساعدات الإنسانية لمعالجة الوضع الإنساني الكارثي في القطاع. كما أنه يفتح باب النقاش أمام الحلول السلمية لهذا الصراع، والتي يجب في النهاية أن تفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود يونيو 1967”.
Leave a Reply