“ارتفاع” خلال أبريل المنصرم للشهر الثاني على التوالي في مؤشر أسعار الغذاء العالمي رصدته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) في أحدث بياناتها المنشورة مطلع ماي الجاري، مؤكدة أنه “رغم كوْن المؤشر قد سجل ارتفاعاً للشهر الثاني في أبريل 2024 بعد سبعة أشهر من التراجع، إلّا أنه لا يزال منخفضاً بمقدار 9,6 نقاط (7,4 في المائة) عما كان عليه في الفترة نفسها من العام الفائت”.
سجل المؤشر في المتوسط 119.1 نقطة في أبريل، بزيادة 0.3 في المائة من مستوى معدل بلغ 118.8 نقطة في الشهر السابق، بينما انخفض بنسبة 9.6 في المائة عن مستواه قبل عام.
والمؤشر الأممي للأسعار، الذي يقيس التغيرات الشهرية في سلة أسعار السلع الغذائية الأولية والأساسية الأكثر تداولًا عالمياً، يتألّف من “متوسط مؤشرات أسعار خمس مجموعات من السلع الأساسية مرجَّحة بحصة كل مجموعة من المجموعات من الصادرات المحتسبة خلال الفترة 2014-2016.
وبعد تسجيلها أدنى مستوى لها في ثلاث سنوات في فبراير الماضي، كانت قراءة شهر أبريل أقل بنحو 7.4 بالمائة مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي.
هذا الارتفاع في الأسعار العالمية للأغذية الأساسية جاء مدعوما بـ”ضغط من اللحوم والزيوت النباتية والحبوب، مُعوّضة الانخفاضات في مواد السكر ومنتجات الألبان، وهو ما فسرته المنظمة ضمن تعليق مرفق بالبيانات بالقول: “إن الزيادة المسجلة في مؤشر أسعار اللحوم والارتفاع الطفيف في مؤشرات الزيوت النباتية والحبوب عوَّضَـا بشكل كافٍ الانخفاض المسجل في مؤشريْ السكر ومنتجات الألبان”.
في التفاصيل، وباستقراء معمق لمعطيات المؤشر وبيانات “FAO”، يبدو أن الزيادة طالت “الحبوب والزيوت واللحوم”، وهي في معظمها المنتجات الغذائية الأساسية التي مازال المغرب يستوردها، لا سيما في ظل محصول زراعي يرتقب أن يكون “أقل من المتوسط”، حسب مؤسسات رسمية مغربية.
وفي وقت بلغ فيه متوسط مؤشر “الفاو” لأسعار الحبوب 111.2 نقطة في أبريل، أي بارتفاع قدره 0.3 نقطة (0.26 في المائة) عن مستواه المسجّل في مارس لكنه أدنى بمقدار 25 نقطة (18.3 في المائة) من قيمته في أبريل 2023، زاد متوسط أسعار الزيوت النباتية 130.9 نقطة، بـ0.3 نقطة (0.26 في المائة) عن الشهر الماضي، “مسجلًا بذلك أعلى مستوى له منذ 13 شهراً”، يرصد مصدر البيانات.
رفع فاتورة الاستيراد
في تعليقه على الأرقام وتطوراتها فضلا عن انعكاساتها المرتقبة على المغرب، أكد فوزي مورجي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن زيادة مؤشر الأسعار سيكون لها “تأثير ملموس في قيمة ونِسَب ميزان المبادلات التجارية للمملكة المغربية مع العالم”، مسجلا أن “فاتورة الاستيراد سترتفع، خاصة من الحبوب والزيوت النباتية”.
وقال مورجي، وهو أيضا مدير مختبر الإحصاء التطبيقي للتحليل والبحث في الاقتصاد، في إفادات تحليلية لهسبريس، إن “بيانات فاو تكشف عن زيادة محتملة في قيمة الواردات المغربية”، راصداً تبعا لذلك تأثيراً هاماً سيطال “نسبة تغطية الصادرات للواردات التي ستنخفض بعد أن زادت خلال الأشهر الأخيرة من 2023 وشهور بداية السنة الراهنة”.
كما لفت الاقتصادي ذاته، ضمن الانعكاسات، إلى ما وصفه بـ “تعميق نسبة عجز الميزان التجاري، خاصة على المدى الطويل”، فيما “قد يساعد”، على المدى القصير، تعزيز الصادرات وتقويتها في التخفيف والتقليص من تداعيات هذا الأمر.
وفي قراءته التفسيرية، سجل المتحدث أن “هناك عاملين أساسيين طالما تحكَّمَا في تقلبات الأسعار العالمية للحبوب والزيوت النباتية وغيرها من المنتجات الأساسية الأكثر استهلاكا”، غير أن أرقام شهر أبريل تُثبت أن “الأمر لا يتعلق بارتفاع الطلب العالمي، بل بعجز نسبي للإنتاج بوصفه العامل المرجّح أكثر هنا في هذه الحالة”.
وختم مورجي بالتأكيد أن “ارتفاع مواد الغذاء يظل ضحية التأثر بالأسعار الحقيقية (Prix courants)”، مبرزا “إمكانية آثار جانبية في علاقة بسياسة سعر الصرف المنتهجة وطنيا”، خالصا إلى أن “التعويض نسبياً سيتم عبر ميزان الأداءات الذي تعزز بمداخيل السياحة وتحويلات مغاربة العالم”.
“تأثيرات مترابطة”
يرى محلل الشؤون الاقتصادية الدولية رشيد ساري أن “تأثيرات مترابطة فيما بينها سيعاني منها الاقتصاد المغربي” بفعل ارتفاع أسعار الغذاء كما رصدتها “فاو”، وهو “ارتفاع سيكون له تأثير كبير على المغرب”.
وقال ساري بهذا الشأن في تعليق لهسبريس: “ناهيك عن تأثر الفاتورة الفلاحية، من المرتقب أن يطال الانعكاس السلبي تأثيرات على العملة الصعبة وتفاقم عجز الميزانية، رغم أن المواد الأولية والأساسية، سواء الغذائية أو الفلاحية، عرفت منذ بداية السنة الحالية تراجعاً بنحو 25%، وهو ما أثر بشكل إيجابي-ولو نسبياً-في خفض معدلات التضخم بالمغرب”.
واستحضر الخبير الاقتصادي “تدني المحصول الزراعي من الحبوب المتوقع في حدود 25 مليون قنطار، بينما يستهلك المغرب حوالي 100 مليون قنطار سنوياً، ما يعني الحاجة الماسة لاستيراد 75 مليون قنطار أو أكثر”، موردا في السياق ذاته أن المغرب من أكثر مستوردي الزيوت النباتية من الخارج.
وأجمل ساري تحليله بالقول: “نجد أنفسنا أمام عاملين أساسيين مزدوجيْ الانعكاسات؛ فبينما الأول هو أنه مازلنا نكافح ضد التضخم الفلاحي على مستوى المواد المحلية، يبرز الثاني وهو عودة التضخم نتيجة المواد الغذائية الأولية المستوردة في ظل موسم فلاحي جاف”.
وخلص إلى أن “المغرب يتحمّل قسطا من المسؤولية في هذه التأثيرات السلبية؛ لأن نظرة بسيطة على مساحة الأراضي المخصصة لزراعة الحبوب تبيّن تقلّصها بشكل كبير، فضلا عن تقلبات المناخ وتفاعلات الاقتصاد العالمي”.
Leave a Reply